يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقّ الصَّلاة: «فأمَّا حقّ الصَّلاة، فأن تعلم أنَّها وفادة إلى الله، وأنَّك قائمٌ بين يدي الله»، يعني أنَّ صلاتك هي زيارة إلى الله، ووفادة إليه، وبما أنَّ الله لا مكان له، فإنَّ زيارته هي زيارة إلى ذاته المقدَّسة في مواقع القرب عنده.
فنحن نزوره لنكبِّره عندما نقول: «الله أكبر»، ونزوره لنوحِّده عندما نقول: «لا إله إلّا الله»، ونزوره لنعظِّمه عندما نقول: «سبحان ربي العظيم»، ونزوره لنشهد أنّه الأعلى، ونزوره لنقدِّم إليه مظاهر العبوديّة عندما نقف بين يديه في استسلام العبد لمولاه، وعندما نركع بين يديه لنعبّر له عن خضوعنا في الركوع، ونسجد بين يديه لنعبّر له عن انسحاق كلّ ذاتنا أمام ذاته في السّجود. ويقول ذاك الشّاعر:
وفدت على الكريم بغير زادٍ من الحسنات والقلب السَّليمِ
وحملُ الزّاد أقبح كلِّ شيء إذا كان الوفود على الكريمِ
ولذلك، على الإنسان عندما يزور الله، أن يستعدّ للزيارة، كما إذا أردنا أن نزور شخصاً من عباد الله ممن يملك موقعاً كبيراً في السلَّم الاجتماعي أو السياسي أو ما إلى ذلك، فإنّنا ندرس كلّ خطوة نقوم بها، سواء في إلقاء التحيّة أو ما إلى ذلك. أن تشعر وأنت قائم بين يدي الله، بأنَّك فعلاً ماثلٌ أمامه، وواقف بين يديه، وأن تشعر بأنّك عبده وهو سيّدك، وأنّك المربوب وهو الرّبّ، وأنّك المخلوق وهو الخالق، وأنّ أمرك كلَّه في يده.
«فإذا علمت ذلك، قمت مقام العبد الذّليل الحقير الرّاغب الرّاهب الرّاجي الخائف المستكين المتضرّع». يجب أن تشعر بالذلّة بين يدي الله سبحانه وتعالى، أي أن تكون في موقع الرّغبة في عطائه، أن تقف بين يديه من أجل أن تطلب منه كلّ حاجاتك، وأن تستعين به في كلّ أمورك، وأن تنفتح عليه ليرضى عنك، وأن تكون الراهب الّذي يخاف من غضبه وسخطه وعذابه، والخائف الراجي الّذي يخاف من عقوبته ويرجو ثوابه، المسكين لأنّك فقير إليه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ) (فاطر/ 15). فنحن نفتقر إلى الله في كلِّ شيء، لأنَّ كلَّ ما في الكون ملك له؛ الهواء الّذي نتنفَّس، والماء الّذي نشرب، والغذاء الَّذي نتغذّى، وحتى الأجهزة التي تمنحنا فرصة الحياة.
أن تكون المتضرّع له، بحيث تقف بين يديه لتتضرَّع إليه بأن يعفو عنك، وأن يغفر لك وأن يرزقك، وأن يرضى عنك. «المعظِّم لمن كان بين يديه بالسّكون والوقار»، أن تعيش سكون الأطراف وخشوعها، يعني أن تطرق برأسك ولا ترفعه بين يديه، أن تناجيه في قلبك، وفي كلامك، وأن ترغب إليه في فكاك رقبتك من النّار، بعد أن أحاطت بك خطيئتك، لأنّك عندما تخطىء، تجعل نفسك رهينةً بين يديه، وتحتاج إلى أن تفكّ هذا الرّهن بمغفرته.
«وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها»، أن تقبل على الصّلاة بقلبك، وليس بلسانك أو بجسمك، بحيث تشعر بأنّ قلبك يصلّي قبل لسانك، وقبل أن يصلّي جسدك، يعني أنّ الصّلاة لها شروط معيّنة، لها حدود معيَّنة، لها حقوق معيَّنة...
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق